السيلي مخفي قسراً واسمه يثير الرعب قي القصر الجمهوري
المستقلة خاص ليمنات
كثرة المساوئ والتعسفات والانتهاكات التي مارسها نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح طوال ثلاثة عقود وبضع سنين من الزمن، لم تشكل أيٌ منها ظاهرة مستقلة بذاتها وطابعاً خاصاً يشتهر به هذا النظام القمعي، كما هو عليه الحال بالنسبة لسياسة ومنهجية “الإخفاء القسري”، التي برع بها ذلك النظام الفاسد بطريقة مثيرة وغامضة ما زالت حتى اللحظة تشكل لغزاً معقداً ومحيراً.. إلى درجة يمكن فيها القول أن الإخفاء القسري للرموز السياسية والعسكرية كان هواية صالح المفضلة وربما مرضاً نفسياً لم يتعاف منه طيلة سنوات حكمه الثقيلة بمآسٍ لا حصر لها..
“الإخفاء القسري” كان وما يزال هماً وأولوية لدى “المستقلة” مثلما هو لدى أسر وأهالي وأبناء المخفيين.. وفي ظل الظروف التي يمر بها الجنوب أرضاً وانساناً من محاولات جديدة من القوى الحاكمة في صنعاء والتي تحاول أن تعيد نفس نهج صالح في جعل الجنوب جربة تابعة لصنعاء وقبائلها، نسلط الاهتمام على قضية السياسي الجنوبي الكبير المخفي منذ عام 1994م، بطريقة مثيرة وغامضة العميد صالح منصر السيلي، السياسي والثائر الأول ضد صالح وحكم القبيلة..
السياسي الذي رفع يده مبكراً وقال لا لعبث صالح وفساد حكمه.. السيلي الذي قال يجب أن تبقي عدن مدينة خالية من وسائل القتل وأولها العسيب .. السيلي الذي تحيط بظروف اختفائه عشرات من الأسئلة لا يعرف لها إجابة حتى الآن.. فهل حان الوقت لمعرفة مصير السيلي.. نعم الوقت حان من زمان وعلى عصابة صالح أن تكشف أين السيلي أو أين غيبوا جثته.
ركب السيلي البحر صباح الثامن من يوليو 1994م، ومنذ تلك اللحظة ظل مصيره ومصير من ركبوا البحر معه مجهولاً، تلاحقه التكهنات والاستنتاجات وتسريبات المصادر الخاصة والسرية.. فما هي خفايا وأسرار هذا الاختفاء، وهل ما يزال السيلي حياً أم تمت تصفيته.. فوق الارض أم تحتها.. أيسكن فيلا معزولة، أم يقبع في زنزانة مظلمة، أم يعيش حياته متخفياً ومتوارياً عن الانظار.. تفاصيل كثيرة نستعرضها في هذه المساحة الخاصة عن معلومات تكشف جزءاً من مصير التاريخ المخفي للسيلي..
عندما انفجرت حرب 94م في الثالث من مايو كان العميد صالح منصر السيلي يشغل منصب محافظ محافظة عدن، فأخذ على عاتقه مهمة التعبئة الحربية واللوجستية في إطار المحافظة ضمن القوات الموالية لـ علي سالم البيض في مواجهة جحافل نظام علي عبدالله صالح ومناصريها، ورغم تكالب قوات الفيد والعصابات المسلحة الموالية إلا أن عدن ظلت حتى اللحظات الأخيرة للحرب تقاوم بتحدٍ وصمود فاق بقية الجبهات، إلى أن تمكنت القوات المهاجمة من دخول المدينة في السابع من يوليو بعد أن سقطت قبلها مدينة المكلا التي يتحصن فيها علي سالم البيض والذي توجه صوب الحدود العمانية..
بخضوع عدن لسيطرة صالح تعين على قيادتها وبالتحديد العميد السيلي المغادرة إلى الخارج فاتفق مع عدد من القيادات المتواجدة في المدينة ومن أبرزها.. وزير الدفاع هيثم قاسم طاهر والجفري وصالح عبيد ومحمد علي أحمد وآخرون على المغادرة سوياً في ذات اليوم على متن سفينة ترفع علم دولة بنما وهي خاصة بشحن مادة القمح، في رحلة تهدف للوصول إلى القاهرة عبر جيبوتي، وفي الموعد المحدد كانت القيادات المذكورة قد صعدت على ظهر السفينة، غير أن العميد السيلي لم يكن متواجداً حينها بين هذه القيادات.. فما الذي حدث؟!
اتصل قادة كبار من ميناء عدن بالعميد والمحافظ السيلي، سألوه عن سبب تأخره وأخبروه أنهم ينتظرون قدومه وأنه عليه حث الخطى لأن السفينة على أهبة الإبحار بعيداً عن المخاطر التي صارت تتربص بهم في عدن بعد دخول قوات صالح، غير أن المفاجأة غير المتوقعة فجرها العميد السيلي من الطرف الآخر لخط الاتصال، طلب من رفاقه المغادرة بدونه، وأخبرهم أنه قد غير رأيه، وأنه قرر البقاء على أرض الوطن ليعمل على قيادة عمليات المقاومة من الداخل، وأنه سينتقل إلى الجبال من أجل ذلك.. فتحركت السفينة في عرض البحر وبقي السيلي يومها في عدن.
لا توجد تفاصيل دقيقة حول كيفية قضاء السيلي ذلك اليوم العصيب في عدن، وما الذي جعله يغير رأيه في البقاء وقيادة عمليات المقاومة، هل لاحظ أن موازين القوى قد تغيرت بحيث يمثل البقاء مجازفة حقيقية خطرة، أم أن اوامر عليا وجهت له بضرورة المغادرة، ففي اليوم التالي 8 يوليو كان العميد السيلي ومرافقوه وقيادات أخرى يدخلون ميناء عدن تأهباً للمغادرة.. مما جعله آخر المغادرين، حيث استقل هو ومن معه زورقاً انطلق من ميناء عدن متجهاً صوب الشواطئ المصرية، مبتعداً من المياه الإقليمية اليمنية ناحية الشواطئ الارتيرية الدولة حديثة الولادة حينها..
ونتيجة لمعارضة السيلي لسياسة صالح الفاسدة فقد كان السيلي المطلوب رقم واحد فهو الذي حرم خزانة صنعاء من موارد عدن ومنع دخول المسؤولين بأسلحتهم إلى المحافظة وكان أي مسؤول يريد أن يدخل إلى عدن يجب أن يضع سلاحه في نقطة الردم أو العلمين.
لقد تأخر العميد السيلي في خروجه أكثر من اللازم، ومنح هذا التأخر سلطات صالح الاستخباراتية فرصة التواصل بحكومة اسمرة، والتي استطاعت عبر حرس سواحلها من رصد زورق السيلي واعتراضه ثم احتجازه بمن فيه، جرى تفاوض سريع بين صنعاء واسمرة. وانتهزت الاخيرة اهتمام الاولى بالعميد السيلي وأرادت مقايضته بشيء ما وكانت صنعاء قد تعهدت به حينها ووفقاً لمصادر خاصة سلمت السلطات الأرتيرية السيلي ومن معه لصنعاء عبر ميناء الحديدة، لكن صالح لم يف بما وعد به ارتيريا مما دفع أفورقي إلى توجيه أوامره لبحريته بالسيطرة على جزيرة حنيش في عام 1995م كما نعلم جميعاً.. أن السيلي يمثل خصماً شرساً كنزاً معلوماتياً وعسكرياً وسياسياً بالنسبة لنظام صنعاء الذي حرص على الحصول عليه بأي ثمن، لكن هناك سؤال ذو أهمية بالغة..
ما الذي حدث للعميد السيلي بعد وصوله إلى صنعاء.. كيف تعاملوا معه، وكيف جرت التحقيقات مع شخص غير عادي يتمتع بالحنكة ولا يتراجع عن قرار اتخذه مهما كان الثمن.. هل استخرج المحققون منه المعلومات التي يريدها صالح.. أم اخفقوا في مهمتهم فأمر الزعيم بتصفيته انتقاماً من تمرده المبكر عليه.. أم أن صالح قرر أن يمارس لعبته المفضلة فكان الاخفاء القسري من نصيب العميد السيلي ومرافقيه..
معلومات ظهرت أثناء الثورة الشبابية على صالح أكدت أن السيلي معتقل في أحد السجون الخاصة بصالح في منطقة السبعين.. عدد من الجنود المنضمين للثورة أكدوا أن في داخل دار الرئاسة سجوناً وزنازين فيها معتقلون لأكثر من ثلاثين سنة من بينهم السيلي، وفي هذه المعلومات ينتظر أصدقاء السيلي وأقرباء المخفيين الآخرين أن يقوم الرئيس هادي بعمل انساني لكشف حقيقة هذه السجون الموجودة تحت قصره.
معلومات أخرى تفيد أن السيلي معتقل في سجن يقع في إطار مديرية سنحان التي ينتمي إليها صالح، في حين ذكرت مصادر مطلعة أن السيلي رهن الإقامة الجبرية في إحدى فلل العاصمة صنعاء وأنه يخضع للحراسة والمراقبة.. وتظل قضيته جزءاً لا يتجزأ من قضية المخفيين القسريين في ظل حكم صالح.. والقضية التي تتطلب تدخلاً عاجلاً من أجل الكشف عن مصير هؤلاء المخفيين ووضع حد لمعاناة أسرهم عشرات السنين ويعتبر السيلي من أبرز القيادات السياسية والعسكرية الجنوبية، ويثير ذكر اسمه الرعب لدى قيادات نظام صالح فحين كان محافظاً لعدن أمر بعدم توريد موارد محافظة عدن إلى صنعاء ومنع دخول المدينة بالعسيب، وطبق هذا فعلاً على منافذ عدن ولم يستطع أحد فرض قرار آخر عليه، وهو من مواليد حضرموت عام 1955م، تخرج من المدرسة المتوسطة بغيل باوزير، غادر إلى الكويت وفيها اكتسب خبرته السياسية عبر انخراطه في انشطة حركة القوميين العرب، وبعد ست سنوات وتحديداً في عام 1967م عاد إلى حضرموت والتحق بصفوف الجبهة القومية، وعين خلفاً لعلي سالم البيض محافظاً لحضرموت خلال الفترة 72- 1975م، كان عضواً للجنة المركزية للحزب الإشتراكي، ثم عضواً في المكتب السياسي للحزب، وشغل منصب وزير أمن الدولة في الفترة 82- 1985م، ثم منصب نائب رئيس الوزراء ووزيراً للداخلية عقب أحداث 86م حتى قيام الوحدة، ليشغل نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً لشؤون المغتربين لمدة سنتين، وعين بعدها محافظاً لعدن حتى 7 يوليو 1994م..